في عالمٍ يزدحم بالقيم المتناقضة والطموحات المتباينة، يبرز مفهوم الشرف كقيمة سامية تتجاوز المظاهر الخارجية والاعتبارات المادية.
الشرف ليس ثروة تُجمع، ولا شهادة تُعلق على الجدران، ولا منصب يُكتسب.
إنه أكثر عمقاً وأبعد أثراً؛ إنه صفة داخلية تنبع من الشعور بالمسؤولية تجاه النفس والآخرين، من العمل الواعي والمخلص الذي ينبع من القلب والروح.
الرجل الشريف هو إنسان بسيط، لكنه يعيش بوعي تام بما حوله. إنه يتحرك بدافع حر لا تقيده قيود الرغبات الشخصية أو المكاسب المادية، بل تحركه قوة المسؤولية الأخلاقية تجاه ذاته وتجاه مجتمعه.
في عالمٍ يسعى فيه الكثيرون وراء المال أو الشهرة، يظل الرجل الشريف مختلفاً؛ فهو يعمل ليس ليحصل على الثناء، بل لأنه يشعر بواجبه نحو تحسين ذاته والعالم من حوله.
الشرف مراتب، وليس مجرد صفة ثابتة. فهناك من يصنع نفسه، ويبذل جهده ليصبح أفضل نسخة من ذاته، وهؤلاء يستحقون الاحترام.
ثم هناك من يصنع أولاده، ويترك بصمة واضحة في مستقبل أبنائه عبر التربية الصالحة والقيم التي يغرسها فيهم.
وهناك من يتعدى دائرة الأسرة ليؤثر في مجتمعه، ويكون له دور فاعل في تحسين ظروف الحياة من حوله.
أما من يصنع التاريخ، فهو أشرف الشرفاء، لأنه يدرك دوره ليس فقط في زمانه ومكانه، بل في تغيير مسار الزمن نفسه.
وإذا أردتَ أن تعرف مقدار ما تملكه من الشرف، فإن الإجابة تكمن في سؤال بسيط يتعين عليك طرحه يومياً : “ماذا فعلت لأكون أفضل مما كنت عليه بالأمس؟ ” هذا السؤال يحمل في طياته التحدي الذاتي والمساءلة المستمرة.
فالإنسان الشريف هو من يسعى دائماً لتحسين ذاته وتجاوز عيوبه، ولا يكتفي بما حققه في الماضي، بل يتطلع إلى مستقبلٍ أفضل وأسمى.
في نهاية المطاف، الشرف ليس مسألة اكتساب مكانة اجتماعية أو تحقيق نجاحات مادية.
إنه رحلة داخلية، يقودها وعي الشخص بمسؤوليته تجاه نفسه وتجاه الآخرين، ودوره في تحسين المجتمع والعالم.
وهذا الوعي هو الذي يحدد في النهاية مقدار ما يملكه الإنسان من شرف.
منقول من كتاب ” الله والإنسان” ل ” الدكتور مصطفى محمود” و بتصرف.